8 مارس ذكرى مسيرة الخبز والورود

الكثير منا يسمع الحديث عن 8مارس "اليوم العالمي للمرأة" ويربطه بتقديم الورود للنساء من أقرباءه دون أن يفهم لماذا ارتبط 8 مارس بالورود، هل لأنه مرتبط 8 marsبالمرأة رمز الحب؟ أم لأن الورد يعبر عن رقة المرأة؟ فلماذا يا ترى تقدم الورود بهذه المناسبة للنساء عالميا؟ وبماذا يجب أن تذكرنا ورود 8 مارس؟ لفهم علاقة 8 مارس بالورود وماذا يعني 8مارس؟ يجب علينا البحث في تاريخ هذه المحطة العالمية وتحديدا في تاريخ النضالات العمالية النسائية بالولايات المتحدة الأمريكية.

لم تكن مصانع النسيج بالولايات المتحدة الأمريكية تتوانى عن استغلال العاملات لمدد تفوق بكثير 12 ساعة يوميا وبأجور بخيسة تقل كثيرا عن تلك الممنوحة للعمال الرجال، وقد كانت ظروف العمل بالنسبة لهؤلاء النساء بمعامل النسيج جد صعبة، زد على ذلك الفقر الذي كن يعشنه مما جعلهن يعانين من تدهور أوضاعهن الصحية والاجتماعية أكثر فأكثر. فخرجن سنة 1820 الى شوارع نيوانغلاند بولاية ماساتشوستس في مسيرة احتجاجية على تدهور أوضاعهن، وبذلك كانت انطلاق الشرارة الأولى للمطالبة بتحسين شروط عملهن وقد اصطلح على هذه المسيرة "مسيرة النحيلات" لنحالة العاملات من شدة الفقر والجوع والاستغلال.

وقد تلت هذه المسيرة محطة نضالية أخرى للمطالبة بتحسين شروط العمل والمساواة مع العمال في الأجور بالولايات المتحدة الأمريكية وهي إضراب عاملات مصنع لوريل للقطن سنة 1834. إلا أن هذه الاحتجاجات قوبلت بالاستخفاف وتجاهل مطالب هؤلاء العاملات رغم كون العديد من المؤرخين يعتبرون أن الإضراب الأخير كان الانطلاقة لعملية تشكل الحركة النسوية بأمريكا.

هذا وقد استمرت الاحتجاجات المتمثلة في إضرابات العاملات بأمريكا للمطالبة بتحسين أوضاعهن المادية والمهنية على أساس المساواة مع العمال الرجال إلى غاية سنة 1857 حيث خرجت آلاف العاملات في مسيرة احتجاجية بمدينة نيويورك للمطالبة بتحسين شروط عملهن وقد جوبهت هذه المسيرة بالحديد والنار وسقطت العديد من العاملات ضحيات خلال هذه المسيرة.

تعتبر سنة 1857 في تاريخ النضال العمالي النسائي بأمريكا سنة التحول في التعاطي مع مطالب العاملات الخاصة بشروط عمل إنسانية ومتساوية مع العمال، حيث تم فرض طرح قضايا المرأة العاملة على الساحة السياسية من جهة، وتشكيل أول نقابة نسائية لعاملات النسيج بأمريكا سنة 1859.
مسيرة " خبز وورود": في 8 مارس 1908، تظاهرت آلاف من عاملات النسيج بمدينة نيويورك حاملات قطعا من الخبز والورود رافعات لشعار " خبز وورود" مطالبات بتخفيض ساعات العمل، والأجر المتساوي للعمل المتساوي، وعدم تشغيل الأطفال والحق في الاقتراع. وفي سنة 1909، خاضت عشرات الآلاف من العاملات بقطاع النسيج إضرابا عاما عن العمل امتد لمدة تفوق 13 أسبوعا للمطالبة مرة أخرى بنفس المطالب محققات بذاك بعضا منها، هذا وقد شملت العاملات حملة من الاعتقالات لم يطلق سراحهن إلا بعد تأدية كفالات مالية حكمن بغرامتها وقد تم تأديتها من طرف اتحاد النقابات النسائية المشكل آنذاك من طرف العاملات.

ومنذ 1909 والعاملات الأمريكيات يحيين ذكرى مسيرة الخبز والورود (8 مارس1908) إلى حدود سنة 1917 حيث تخليد ذكرى انتفاضة "خبز وورود" من طرف الطبقة العمالية النسائية محصورا على عدد قليل من الدول الأوروبية بالإضافة إلى أمريكا مع الاختلاف حول تاريخ 8 مارس.

8 مارس: اليوم العالمي للنساء:

في سنة 1917، وبعد إضراب عاملات سان بتروسبورغ، تم الاتفاق في على أن 8 مارس هو يوم الاحتجاج على الأوضاع اللانسانية لعمل النساء، وفي سنة 1945 تم اعتبار 8 مارس يوما عالميا للنساء تخلد فيه ذكرى عاملات النسيج ضحيات سقطن خلال مسيرتهن المناهضة للاستغلال الرأسمالي البشع. ومن ذلك الحين وإلى غاية سنة 1977 حيث أقرت الأمم المتحدة بأن يوم 8 مارس هو يوم عالمي للنساء، تم تخليد هذه الذكرى عالميا من طرف الطبقة العمالية النسائية والمطالبة بالمساواة في الأجور وتحسين شروط العمل، والحق في الانتخاب.

فإذا وكما تبين من خلال هذا السرد التاريخي الوجيز، يتضح جليا أن 8 مارس ليس يوم للاحتفالات الفارغة والبهرجة، بل هو يوم مرتبط بدماء عاملات فقيرات سفكت لا لشيء إلا لكونهن طالبن بأجر متساوي لعمل متساوي وشروط عمل أفضل. من هنا، نرى بأن 8 مارس هو مناسبة لتقييم أداءنا النضالي وسط العاملات والموظفات والنساء الأعوان: هل نحن فعلا استطعنا خلال المراحل الماضية تحسين وضعيتهن المادية والمهنية؟ ما هي مكامن ضعف وقوة عملنا وسط النساء العاملات بقطاعنا ؟ هل استطعنا التواصل أكثر مع هؤلاء النساء أم لا ولماذا؟هل لامسنا جميع الإشكاليات المطروحة وسط نساء القطاع؟ ما هي خطتنا المستقبلية لإقناع النساء بالانخراط في العمل النقابي والنضالي لتحقيق المطالب العامة والخاصة؟.. الخ.