kimgou64 مدير عام
عدد المساهمات : 1194 تاريخ التسجيل : 10/10/2012 العمر : 60 الموقع : https://afaqkadima.yoo7.com
| موضوع: مقال هام :ثقافة الفقر الأربعاء 26 ديسمبر 2012 - 14:36 | |
| ثقافة الفقر بقلم : رفيق حاج في مجتمعات تسودها ثقافة الفقر, يُكرّس فيها الفرد كل قوته وطاقاته ومهاراته من أجل كسب العيش وانتزاع اللقمة متأثرا بعقلية صراع البقاء، ومن أجل الحصول على ذلك كل الطرق مباحة، حتىnbsp; الاحتيال والمراوغة، أو بيع الضمائر أو النفاق للسلطة أو الخيانة أو انتهاك الحُرمات أو ارتكاب الجرائم
الحق يُقال بأنني لم أدرك سابقا ما هو التعريف الدقيق لهذا المصطلح المسمى ثقافة الفقر، ولم أفهم أبعاد ثقافة الفقر ولا مدى استشرائها في مجتمعنا. كما أنني لمnbsp; أدرك ما هي ظواهرها وأعراضها وتداعياتها ولم أعِ بأنّ هنالك فرقًا بين الفقر و العوز إلاّ بعد أن قمتُ بقراءة بعض المراجع حول هذه الظاهرة فذُهلت من عُمق تأصّلها في مجتمعنا. إن أول من تطرّق إلى موضوع ثقافة الفقر هو المتخصص في علم تطور الإنسان وعالم الاجتماع الأمريكي الشهير أوسكار لويس، الذي تعاطى مع الموضوع بمنهجيه علمية خالصة، دون أن يكون له رأي مُسبق في الموضوع، ودون أن يورّط نفسه بالدفاع عن الضعفاء أو إحقاق العدل. فلقد توصل عالمنا إلى نتيجة بأن ثقافة الفقر تتميز بمزايا تظل تستنسخ نفسها بنفسها، وتنتقل خصائصها من جيل إلى جيل، وفق تنميط اجتماعي يتحول الفقير معه إلى فرد مُتراجع وواهِم،nbsp; يتطلع إلى العالم بمنظور غرائزي سلبي صرف. ثقافة الفقر تُملي على الفرد أن يخصص كل قوته وطاقاته ومهاراته من أجل كسب العيش وبالتحديد من أجل صراع البقاء, وكل الطرق مباحة من أجل ذلك, حتى لو أدّى ذلك إلى قيامه بالاحتيال والمراوغة،nbsp; أو بيع الضمير أو النفاق للسلطة أو حتى الخيانة وانتهاك الحُرمات وارتكاب الجرائم. باختصار شديد، ثقافة الفقر أشبه بثقافة الغاب بما تحويه من صراعات على مصادر الماء ومناطق النفوذ وافتراس القوي للضعيف. ثقافة الفقر لها مواصفات توشك أن تكون كونية، فهي ثقافة الريبة، وفقدان الثقة والرجاء وانتزاع اللقمة إن أمكن من أقرب فم، حتى لو كان ذلك من فم الأم أو الشقيق. أما بالنسبة لتعريف الفقر فهنالك من يعرّفه كمجموع ما يملكه الفرد كحد أدنى من مصادر. وهنالك من يُعرّفه اعتمادا على ما لا يملكه الفرد مقارنة بالآخرين. ومن اجل توضيح الفرق بين التعريفين، هنالك من الفقراء من يقول أنا فقير لأنني أعتاش من مائة دولار شهريا.., وهنالك من يقول أنا فقير..لأن معاشي لا يصل إلى 300 دولار شهريا..، والفرق بين قائليهما شاسع فالأول فقير مستسلم لحالته والثاني محتاج وواعٍ لما ينقصه. مهما اختلف الباحثون في تعريف الفقر، إلا انه هنالك إجماع حول التداعيات النفسية والسلوكيات الهدّامة التي يخلقها. إن مجموع هذه التداعيات والسلوكيات التي تتفشى في المجتمعات الفقيرة يُسمى بثقافة الفقر. من يعيش في بيئة تسودها ثقافة الفقر لا يثق بالآخرين ولا بنوايا السلطة والمؤسسات تجاهه لذا فهو لا يتفاعل معها أو مع ممثليها، ولا يدفع الضريبة المستحقة عليه، حتى لو كان قادرا على ذلك، أما العمل الجماعي والحيّز العام فلا يعنيه، كما لا تعنيه جودة البيئة ولا جودة السلطة، وعادة يقاطع الانتخابات إلا إذا كان مضطرا لذلك. بالإضافة إلى ذلك فهو انتهازي، وليس من باب القوة، إلا من باب الضعف والرغبة في البقاء، فهو يجاريك ويقوم بخدمتك ومساعدتك وعندما ينال مُراده منك تختفي آثاره أو ينتقل إلى منافسيك وقد يصبح يوما من الأيام عدوّك اللدود. من يعيش في مجتمع تسوده ثقافة الفقر لا يتحمّل الوقوف بالدور ويحاول دائما أن يجد ذريعة للواقفين أمامه لكي يسمحوا له بتلقي الخدمة قبلهم، ويكره الانتظار في طابور السيارات عند وقوع اختناقات السير وتراه يتجاوز كل المركبات الواقفة أمامه من اليمين غير عابئ بقوانين السير أو إمكانية تواجد شرطي في المكان. من الصعب عليه الالتزام بالقوانين وأصول التعامل بين بني البشر، ولا يعبأ بماذا يفكّر الآخرون فهو يتصرّف كأنه لوحده في هذه الدنيا ولا شيء يحرّكه سوى صراع البقاء. مثلما يصعب أن نرى قطيعا من النمور يقف بالدور لشرب الماء من الترعة، هكذا يصعُب على صاحبنا الوقوف بالدور في الصيدلية أو مكتب البريد أو عيادة الطبيب أو غيرها. ثقافة الفقر لا تنتهي بانتهاء حالة الفقر، فهنالك الكثيرون ممن يحالفهم الحظ وينجحون في التخلّص من براثنه، لكنهم لا يكفّون عن التصرّف مع المحيطين بهم وكأنهم ما زالوا فقراء مُعدمين، وهذا الأمر يتجلى في عدة سلوكيات مثل البُخل أو الجشع والانقضاض على كل فرصة لتحصيل الأموال، والشك والريبة في نوايا الآخرين، وآخر ما يفكّرون به هو مساعدة الضعفاء والمحتاجين أو التبرع لمؤسسات خيرية، ويعتبرون ذلك هدرا لأموالهم وطاقاتهم وينسون بأنهم في الماضي كانوا في أمسّ الحاجة إلى أهل الخير. يقوم مثل هؤلاء بتقديس المظاهر الكذّابة وبإثارة غيرة الناس وحسدها، إن كان ذلك عن طريق شراء السيارات الفخمة المزوّدة بكل وسائل الراحة أو بناء البيوت الوثيرة، أو التبذير على مستلزمات الأعراس أو الرحلات المُكلفة أو البحث عن آخر صرعات الهواتف الخليوية، وهم لا يتوانون عن التباهي والتفاخر أمامنا بما أوتوا من مال وثروة، وعندما تطلب منهم معونة مالية يجدون آلاف الأعذار للتخلّص منك. في مجتمعات تسودها ثقافة الفقر تجد لهفة لدى الأفراد والجماعات للتسلّح من منطلق عقلية صراع البقاء المتربّصة في أذهانهم، فالسلاح يحميهم من الآخرين بل بمساعدته يستطيعون إخافة الآخرين. وإن كانت عملية الحصول على رخصة السلاح تتطلّب منهم بيع ضمائرهم للسلطة والوشاية بأبناء شعبهم فلا ضير، فكل شيء مُباح ومُحلّل من أجل البقاء. هذا الكم الهائل وغير المتوقع من العملاء والمتعاونين نجده في المناطق المحتلة. لماذا اختار هؤلاء أن يشكّلوا أداة في يد المحتل لقمع شعبهم بدل أن يكونوا ذراعا من أذرع المقاومة؟ الإجابة على ذلك هي ثقافة الفقر. إن فهم أبعاد ثقافة الفقر يجعلنا نُدرك أسباب الجنوح والقصورات التي يعاني منها شعبنا العربي في هذه الديار وخارجها، ومن ثمّ تقصّي الحلول الملائمة للتخلّص منها، وهذا حديث طويل سأتطرّق إليه في فرصة أخرى، لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا، ما الذي نصنعه بفقرنا؟ هل نمتطيه أم يمتطينا؟ وهل نحوّله إلى خضوع وتأقلم ونفاق كي نعيش؟ أم نستخلص منه النور والوعي والثورة كما يُستخلص الماس من الفحم؟. | |
|