الإسلاميون والتطبيع الحلال وسوبرماركت فلسطين

تعتبر القضية الفلسطينية البرنامج الشعبي الإنتخابي والدعوي الجماهيري لدى العديد من الحركات الإسلامية لترويض ودغدغة مشاعر شرائح كبيرة من الشعوب، باعتبار الإجماع الإنساني على عدالتها، وقد عملت الحركات الإسلامية على طرحها كقضية من زاوية سياسية دينية ،حيث أولى القبلتين وثالث الحرمين ومليونية افتحوا لنا الحدود (مع أنه يوجد مفتاحين واحد لدى مرسي وواحد لدى الكتاتني) ووا معتصماه وا أقصاه، إلى أن أتى الربيع الأوبامي كي ينهي قصاصة دامت سبعون عاما ،وبان المستور وفتحت أبواب التطبيع، والذريعة دائما سلم الأولويات والمقاصد ونفس القواعد الأصولية التي طرحت من قبل، أي الضرورات تبيح المحظورات والضرر الأشد يزال بالضرر الأخف وطبعا لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، و لا نستغرب ذلك، باعتبار أن الأب الروحي ومنظر الحركات الإسلامية هو المليونير يوسف القرضاوي عراب الربيع الذي يقيم في الدوحة حيث بوصلة التطبيع وجزيرة العمالة، وأن المثل الأعلى للحركات الإسلامية وملهم النموذج الديني الرأسمالي هو صاحب الستربتيز الإخواني طيب رجب أردوغان صاحب العلاقات التاريخية والاقتصادية مع الكيان الصهيوني.
فلنبدأ من تونس أولى دول الربيع، حيث عارضت حركة النهضة التونسية سن تجريم التطبيع في الدستور ،بدعوى أن صديقهم الوفي في غزة اسماعيل هنية نصح قادة النهضة بعدم دسترة تجريم التطبيع كي لا يتعرضوا لضغوطات مستقبلية ،خصوصا وفتح أفاق الحوار مع الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي، كما قام بعض قادة النهضة بزيارة للولايات المتحدة الأمريكية من أجل لقاء قادة الإيباك وتقديم تطمينات لهذا اللوبي بشأن مستقبل تونس .
أما في مصر بلد الكامب ديفيد فأولى الإشارات الإخوانية كانت ترسل عبر تقديم الإخوان تصريحات (حتى قبل الربيع الأوبامي في مصر) مفادها أن مصر لن توقف تصدير الغاز للكيان الصهيوني ولن تلغي اتفاقية كامب ديفيد وفي أحسن الأحوال ستقوم بتعديلها (ولن تقوم طبعا)، إلى أن جاءت الرسالة الشهيرة التي أرسلها الرئيس الإخواني محمد مرسي إلى شمعون بيريز والتي ابتدأت ب"عزيزي بيريز"وانتهت ب"صديقكم الوفي" .وتعيين سفير جديد للقاهرة في تل أبيب وتبادل السفراء مع علامات الفرح التي صاحبها.
أما في ليبيا فكانت الصهيونية تخطب في ميدان "التحرير" في بنغازي مع صيحات التكبيرات، حيث كان الصهيوني برنارد هنري ليفي عرابها وسائق حملتها إلى أن دخل مع الفاتحين إلى طرابلس والذي طرح نفسه كلورانس العرب بنفحة صهيونية على أنغام سقوط أمطار صواريخ حلف الناتو على سرت والعاصمة،وقد زادت وثيرة لقاءات القادة الليبيين مع الديبلوماسية الإسرائيلية من خلال قناة سويسرا ودائما تكبير يا جماعة . أما في المغرب فقام حزب العدالة والتنمية بتكريم الصهيوني عوفير برانشتاين في مؤتمره السابع بالعاصمة الرباط ومعلوم أن برانشتاين كان مستشارا سابقا للمجرم إسحاق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، وقد اعترفت لجنة المؤتمر بأنه يحمل الجنسية الإسرائيلية وأنه قد تم تكريمه في بيت عبد الكريم الخطيب (القيادي السابق للحزب) والغريب أن حزب العدالة والتنمية نفسه كان قد قام بوقفة استنكارية من قبل أثناء حضوره في طنجة بمعهد أماديوس ، كل هذا مع التزام حليفتها الدعوية جماعة العدل والإحسان الصمت لأسباب معلومة، هذه الجماعة فتحت قنوات اللقاءات مع السفير الأمريكي في الرباط وما سيلحق بها من تبعات تهم التطبيع، يذكر أن عبد الله باها القيادي في الحزب صرح لجريدة القدس العربي أن التطبيع لا يحتاج إلى تجريم ،رافضا طرح ذلك في المؤسسات الدستورية"الصورية" وما يشكله من إحراج .
أما في سوريا فكانت نغمة القصف الصهيوني على مبنى مركز البحوث ومستودعات للدخيرة التابعة للجيش العربي السوري بدمشق تقابل بصيحات التكبيرات، عدى عن اللقاءات الإسرائيلية مع قادة المعارضة الإسلامية في واشنطن والتنسيق مع الصهيوني برنارد هنري ليفي في عدة لقاءات بباريس (يذكر مشاركة قادة الاخوان وعلى رأسهم ملهم الدروبي في المؤتمر الذي نظمه الصهيوني برنارد ليفي بباريس)، بالإضافة لطرح الإخوان المسلمين في سوريا مبدأ السلام والمبادرة العربية وإنهاء دعم سوريا للمقاومة اللبنانية والفلسطينية،مع دعم الكيان الصهيوني للمعارضة الإسلامية المسلحة بأسلحة ستينغر وغيرها وحوارات الجماعات الإسلامية المسلحة مع صحفيين إسرائيليين،ولا إشكال لدى الإخوان أن تصرح بسمة قضماني الناطقة الرسمية باسم المجلس الوطني السوري والذي يعتبر الإخوان الجزء المهيمن في أجهزته أن تصرح بأنه لا يمكن أن تتخيل الشرق الأوسط بدون وجود"إسرائيل"، بل وصلت الوقاحة أن قامت فصائل إسلامية بحرق العلم الفلسطيني.
أما في اليمن فكانت توكل كرمان عضوة اللجنة المركزية لحزب التجمع اليمني للإصلاح وهو الدراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين باليمن الواجهة الخارجية للحزب، فلقاءاتها التطبيعية بدأت مع رسالات الشكر لأوباما لتدخله المباشر في الشأن اليمني كي يميل الوضع السياسي إخوانيا ،ولقاءاتها مع الصهيوني برنارد هنري ليفي في المغرب أثناء مؤتمر حزب العدالة والتنمية الأخير، وقد سبق أن قدمت لها جائزة"الشجاعة" من السفارة الأمريكية في صنعاء لما تمثله هذه الجائزة من تعبير عن حسن الولاء الذي تقدمه توكل كرمان كقيادية ملهمة لربيع اليمن بشأن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية .
أما في فلسطين حيث حماس تبويس الأيادي فكان اللقاء الشهير الذي جمع خالد مشعل وموسى أبو مرزوق مع عراب السلام الصهيوني عوفير برانشتاين في الرباط من أجل التأتيت للمرحلة المقبلة ، واعتراف اسماعيل هنية بالمبادرة العربية للسلام في مكة أي الإعتراف بإسرائيل مقابل الإنسحاب الإسرائيلي من فلسطين1967 والإعتراف بتبعات أوسلو"الانتخابات والباسبورتات "،ولقاءات قادة من حماس مع جنود إسرائيلين في المعابر ،و محاولة حركة حماس الانتقال من دولة عربية إلى أخرى لمحو صورة خيانة ذلك الفصيل الإسلامي وآخر، بصنع مشروعية وهمية على تلك الحركات لخدمة أجندتها الداخلية الانتخابية ،وبالخصوص جماعة الاخوان في مصر وحركة النهضة في تونس وحزب العدالة والتنمية في المغرب، هذا عدى عن اتصال قادة من حركة حماس مع قنوات تلفزية إسرائيلية في حالة طبيعية مفضوحة.
إن تحرير فلسطين ومناهضة الصهيونية كحركة عنصرية ،يبدأ بطرح مشروع وطني علماني إنساني مناهض للأمبريالية والصهيونية التي تطرح مشروع تقسيم المنطقة من خلال غرس بذور الطائفية، وكبرنامج عملي يجب النضال والكفاح من أجل سن قانون يجرم التطبيع في الدساتير الديمقراطية المنشودة ومكافحة الرجعية التي تستغل الدين لأطماع اقتصادية وسياسية، وأن يتم القطع مع الممارسات الانتهازية التي تطرح الآن من طرف الحركات الإسلامية بالتحديد ومن منظرها يوسف القرضاوي الذي طالب من الولايات المتحدة الأمريكية بكل وقاحة احتلال ليبيا وسوريا واستغرَب من تخوفها على عشيقتها"إسرائيل" ،وأخد صورة تذكارية مع باسبورت اتفاق أوسلو في غزة بالتحديد في رسالة واضحة لوضع مسار الإسلاميين بخصوص مستقبل القضية الفلسطينية ،يجب رد الإعتبار للقضية الفلسطينية كقضية وطنية ،و يجب علينا الدفاع عن محور الممانعة والمقاومة في سوريا ولبنان وفلسطين كآخر معقل مقاوم في المنطقة، وأختم مقالي هذا بمقولة الحكيم صديق سوريا ولبنان والأب الروحي لفلسطين الذي افتقدناه ونحن نعيش زمن النكبة الثانية، الرفيق جورج حبش" قسما ببرتقال يافا وذكريات اللاجئينا سنحاسب البائعين لأرضنا والمشترينا".