kimgou64 مدير عام
عدد المساهمات : 1194 تاريخ التسجيل : 10/10/2012 العمر : 60 الموقع : https://afaqkadima.yoo7.com
| موضوع: حرية الضمير في الدساتير المقارنة الأحد 10 نوفمبر 2013 - 7:11 | |
| حرية الضمير في الدساتير المقارنة محمد الناوي تمثل حرية الضمير أو الوجدان واحدة من الحريات الفردية الأساسية وحقا جوهريا من حقوق الإنسان. وتكمن أهميتها في أنها، بحكم طبيعتها ومدلولها ومؤداها، شرط وجوب للوجود الإنساني الحق، أي للتحقق الكامل للفرد داخل مجتمع ديمقراطي صائن لكرامة الإنسان، وقائم على الاحترام الكامل والممتد في الزمان والمكان لقيم الحرية والمساواة والعدل. ومع ذلك، وربما بسبب ذلك، فإن إقرارها في الدساتير والقوانين، والاعتراف للفرد بحق التمتع بها وممارستها في كامل أبعادها ما زالا يثيران الكثير من الجدل، ويُواجَهان ببعض التردد والممانعة المفضيين أحيانا إلى نوع من التناقض أو إلى الاعتراف المقيد أو الملتبس. وترجع الممانعة في إقرار هذه الحرية، إلى حد كبير، إلى اتصالها الوثيق بالتفكير والدين. ولئن كان من المهم، من ثمة، الوقوف عند أهمية دسترة حرية الضمير من خلال دراسة مقارنة لعدد من الدساتير وسياقاتها وتطبيقاتها القضائية، فإن من الضروري، قبل ذلك، تحديد ماهية حرية الضمير والتطرق لمرجعيتها المعيارية الكونية. I ـ ماهية حرية الضمير: تدل حرية الضمير على حرية الفرد في اختيار القيم التي تحدد علاقته بالوجود وبالحياة، وقدرته على تجسيدها باستقلال نسبي عن المجتمع. وما دام الدين من الأبعاد الأساسية لعلاقة الفرد بالوجود، كما أنه، في ذات الوقت، مظهر من مظاهر الحياة في المجتمع، فإن هذه الحرية غالبا ما تقرن بالحرية الدينية أو تماهى معها كما لو كان الأمر متعلقا بمترادفين، وتطرح من زاوية الحدود الفاصلة بين نطاق الخيار الفردي وحدود الإلزام الجمعي. إنها حق المرء في أن يتملك ذهنه، كما جسده، يتصرف فيه كما يشاء ويفكر به كما يريد. إن حرية الضمير تقع في منتصف الطريق بين حرية التفكير وحرية الدين. فحرية التفكير تعطي للفرد، حسب جون بوبيرو Jean Baubérot ، الأدوات الفكرية التي تسمح له بأن يُعمِلَ ضميره وأن ينتقي ويمارس، بحرية وتميز، اختياراته الوجدانية والدينية وقناعاته. وحرية الضمير التي تومئ إلى الحياة المعيارية والقيمية الداخلية للفرد تتيح له أن يبلور قناعاته، بما فيها القناعات الدينية والإيمان من عدمه، بكل حرية واستقلال، وتسمح له، بعبارة أخرى، أن يبدل دينه أو يعتنق دينا آخر، أو أن لا يأخذ بدين من الأديان، دون أن يكون عرضة لأي حساب أو عقاب أو إقصاء، ودون أن ينتقص ذلك من مواطنته. ومعنى ذلك أن حرية الضمير تقوم أساسا في النهاية على الفصل بين المواطنة والإيمان. وتكمن أهمية حرية الضمير في أنها الشرط الضروري للاستقلال الأخلاقي للفرد ومنفذه الأساسي إلى الحرية . والهدف المتوخى من حرية الضمير، شأنها شأن حرية التفكير وحرية الدين، هو حماية التصورات التي قد يحملها كل واحد عن الحياة والمجتمع والمصير. فهذه الحريات الثلاثة المتجاورة، -إن لم نقل متداخلة-، دون أن تكون متماهية ، هي التي تعطي للفرد الحق في ألا يفكر مثل الأغلبية، أو ألا تكون له نفس اليقينيات أو القناعات أو المعتقدات. إنها تتحد في موضوعها وموطنها من حيث كونها بمثابة "حريات للذهن" . وتجد حرية الضمير سندها في كون الضمير مجالا فرديا خاصا لا يمكن السيطرة عليه، وكل محاولة للسيطرة عليه أو التحكم فيه لابد أن تفضي بشكل أو بآخر إلى العنف. فالذهن هو مجال الحرية بامتياز إن جاز القول. وممن أبدعوا في التعبير عن هذا الأمر سبينوزا إذ يقول: "لو كان من السهل السيطرة على الأذهان مثلما يمكن السيطرة على الألسنة، لما وجدت أية حكومة نفسها في خطر، ولما احتاجت أية سلطة لاستعمال العنف، ولعاش كل فرد وفقا لهوى الحكام، ولما أصدر حكما على حق أو باطل، على عدل أو ظلم إلا وفقا لمشيئتهم. ولكن الأمور لا تجري على هذا النحو، (...) لأن ذهن الإنسان لا يمكن أن يقع تحت سيطرة أي إنسان آخر، إذ لا يمكن أن يخول أحد بإرادته أو رغما عنه إلى أي إنسان حقه الطبيعي أو قدرته على التفكير وعلى الحكم الحر في كل شيء. وعلى ذلك فإن سلطة تدعي أنها تسيطر على الأذهان إنما توصف بالعنف، كما تبدو السيادة الحاكمة ظالمة لرعاياها ومغتصبة لحقوقهم عندما تحاول أن تفرض على كل منهم ما يتعين عليه قبوله على أنه حق، وما يتعين عليه رفضه على أنه باطل، وأن يفرض عليه المعتقدات التي تحثه على تقوى الله. ذلك لأن هذه الأمور تعد حقا خالصا بكل فرد، لا يمكن لأحد ـ إن شاء ـ أن يسلبه إياه..." . ويضيف توضيحا لأهمية إقرار حرية من قبيل حرية الضمير باعتبارها من الأسس التي تقوم عليها الدولة ومن الغايات والحوافز التي تشد بنيانها أن "الغاية القصوى من تأسيس الدولة ليست السيادة، أو إرهاب الناس، أو جعلهم يقعون تحت نير الآخرين، بل هي تحرير الفرد من الخوف بحيث يعيش كل فرد في أمان بقدر الإمكان، أي يحتفظ بالقدر المستطاع بحقه الطبيعي في الحياة وفي العمل دون إلحاق الضرر بالغير. وأكرر القول بأن الغاية من تأسيس الدولة ليست تحويل الكائنات العاقلة إلى حيوانات أو آلات صماء، بل المقصود منها هو إتاحة الفرصة لأبدانهم وأذهانهم لكي تقوم بوظائفها كاملة في أمان تام، بحيث يتسنى لهم أن يستخدموا عقولهم استخداما حرا دون إشهار لأسلحة الحقد أو الغضب أو الخداع وبحيث يتعاملون معا دون ظلم أو إجحاف، فالحرية إذن هي الغاية الحقيقية من قيام الدولة." | |
|