kimgou64 مدير عام
عدد المساهمات : 1194 تاريخ التسجيل : 10/10/2012 العمر : 60 الموقع : https://afaqkadima.yoo7.com
| موضوع: المرأة والحداثة - جزء 1 - الإثنين 25 فبراير 2013 - 15:42 | |
| المرأة والحداثة - جزء 1 - محمد بن علي المحمود وإذا كان الإعلام المعاصر، بما هو تقنية حديثة، يحمل مضامين حداثية بالضرورة، ولو على نحو ضامر وخفي، فإن التعاطي مع هذا الإعلام لابد أن يؤدي إلى كسر الجمود النسوي تجاه خطاب الحداثة، خاصة وأن هذا الإعلام جماهيري بطبعه لم يكن خطاب الحداثة العربية - كما تجلى في السياق الأدبي - خطاباً نخبوياً مقصوراً على سياقه الأدبي؛ هذا السياق الأدبي الذي كان هو الوسيط الجمالي إلى عالم الواقع المأزوم. خطاب الحداثة لم يكن يتجاهل الواقعي؛ وإن تراءى أحيانا - كذلك ، بل ربما كانت واقعيته الصريحة، واشتباكه مع هذا الحراك الإيديولوجي أو ذاك، من أسباب انحساره وتراجعه - كمعطى جمالي - بانحسار قوى الواقع التي اشتبك معها، وتراجعها عن دورها التاريخي الذي كانت تتغياه. نزل خطاب الحداثة إلى الواقع؛ كخطاب نهضة واعدة، نهضة تتمركز حول الإنسان، وتعنى بكل ما تقاطع مع البعد الإنساني، من مساواة، وتحرير، وديموقراطية.. الخ. وهذا الإنساني في خطاب الحداثة، يعني - بالضرورة - أنه خطاب مهموم بالمسألة النسوية، بوصفها إشكالا يلازم المجتمعات التقليدية التي تسعى الحداثة لتقويضها. لا أقصد - هنا - حال المرأة كموضوع في خطاب الحداثة، وإنما أقصد حالها مع خطاب الحداثة، أي كفاعل في هذا الخطاب ومع هذا الخطاب، وليس كموضوع للخطاب. والفرق بين الأمرين كبير؛ لأن استجابتها لخطاب الحداثة وانفعالها به لم يكن بحجم تناول الخطاب لها كإشكال في الاجتماعي العام، وكموضوع إنساني خاص. عندما نعاين خطاب التحديث العربي على وجه العموم، منذ الطهطاوي إلى اليوم، أو عندما نعاين خطاب الحداثة على نحو أخص، نجد أن المرأة كانت حاضرة - بقوة - كإشكال، بينما التعاطي مع هذين الخطابين - من قبل المرأة - كان محدودا، ومحصورا في فئة اجتماعية، بل الأشد إحباطا أنه لا يتعدى أسوار الجمعيات النسوية التي تكاد - لمحدوديتها وضآلتها - أن تكون جهوداً فردية أو شبه فردية. وإذا أضفنا إلى ذلك أن تلك الجمعيات لم تكن محل ترحيب اجتماعي، بل ربما رميت - من قبل المجتمع التقليدي - بتهم التخوين والانحلال، أدركنا أن البنية الاجتماعية - وهي تقليدية في العالم العربي - كانت رافضة لتصورات الحداثة عن المرأة، وأن المرأة -من داخل هذه البنية التي تحكم تصوراتها - كانت ترفضها، أو على الأقل لم تدرك أهميتها. طبيعي أن تكون الاستجابة على هذا النحو السلبي، بل المفرط في سلبيته؛ لأن التراث الذي تشكّل الوعي العام العربي من خلاله لم يحمل في طياته إلا ما يعزز النظرة السلبية تجاه المرأة. أما كان من نقاط الضوء الإيجابية في هذا التراث، فهي مطمورة بهذا الركام الهائل من تحقير المؤنث الذي تلبست به لغتنا التراثية، فضلاً عن المضامين الصريحة لهذا التراث. وللأسف، فإن تصورات الغزالي (السلبية) عن المرأة هي التي سادت في قروننا الوسطى، سادت بقدر سيادة خطاب التهافت، بينما تصورات ابن رشد (الإيجابية) عن المرأة، تم التنكر لها بقدر التنكر الذي حظي به صاحب الخطاب في حياته وبعد مماته، وبقدر ما لقيه تهافت التهافت من إعراض. لهذا كان الحفر في هذا التراث الضخم عملاً محفوفاً بالمخاطر، لاسيما إذا كان يتماس مع مفردات الهيمنة الآنية، التي تقوم عليها مصالح هذا المذهب أو هذه الفئة أو تلك الطائفة، وتزداد الخطورة عند مقاربة ما يأخذ بعداً رمزياً في محاولة زعزعة أركان هذه الهيمنة، كموضوع المرأة مثلاً. هذا الانحباس داخل التراث هو ما يفسر كيف أن أطروحة قاسم أمين - رحمه الله - قد مضى عليها أكثر من مائة عام؛ ومع ذلك، لازالت المحاور التي دارت حولها أطروحته محل نزاع، كما كانت آنذاك، مما يعني أن مسيرة قرن كامل من الزمان لم تحرك بحيرة الوعي الآسنة لدى الإنسان العربي. ومع أن قاسم أمين - رحمه الله - قد أكد - قبل قرن من الزمان! - على الدور المحوري الذي يؤديه التعليم في تحرير المرأة، إلا أننا بعد كل تلك السنوات، لا نزال - كعرب - نستحق بجدارة أن نوصف بأننا: مجتمعات الأمية النسائية؛ حيث لازالت نسبة الأمية النسائية في العالم العربي في حدود الخمس والخمسين بالمائة. وهذه النسبة تعكس - من جهة - درجة الإهمال الرسمي وشبه الرسمي، كما تفسر تباطؤ الاستجابة الجماهيرية النسوية لخطاب الحداثة من جهة أخرى. الرهان على التعليم - على كل ما فيه - لازال رهانا رابحا. وربما يكون ذا دور حاسم؛ شرط أن يعضد البعد الكمي - الذي لا زال متواضعا في هذا التعليم العمومي - بُعد نوعي؛ يؤسس لوعي حديث، وعي يعي سياقه الزمني، ودوره التاريخي الذي سيتحدد مصير الأمة من خلاله. إن مخرجات التعليم كافة، والنوعي منها على نحو أخص، تشكل ضغطاً على بنية التقليد، وتقودها لسلسلة من التنازلات التي لا تستطيع الصمود لها؛ لأنها تأتيها من زوايا عديدة، بل، وتأتيها من داخل هذه البنية التقليدية ذاتها، خاصة عندما تخضع القناعات القيمية الموروثة لضغط الواقع واحتياجاته. وإذا كان الإعلام المعاصر، بما هو تقنية حديثة، يحمل مضامين حداثية بالضرورة، ولو على نحو ضامر وخفي، فإن التعاطي مع هذا الإعلام لابد أن يؤدي إلى كسر الجمود النسوي تجاه خطاب الحداثة، خاصة وأن هذا الإعلام جماهيري بطبعه. قد يرى البعض ما يعدونه سلبياً في هذا الاتساع الإعلامي اللامنضبط، لكن - أيا كان الأمر! - هو دافع مهم تجاه عوالم مفتوحة، ستؤدي إلى بلورة رؤية أخرى، هي بأية حال، لا تتسبب لواقع التخلف المزمن الذي كنا ولا نزال أسراه. استجابة المرأة للخطابات الشعبوية من ثقافة الصورة وغيرها، واستجابتها - أيضاً - لتيارات التقليد، يؤكد أن المرأة - نتيجة التهميش التعليمي والإقصاء الاجتماعي - لا تعي نوعية الخطاب الذي يمكن أن يرتقي بها على المستوى الإنساني والحقوقي إلى ما هو أبعد مما هي عليه. إن هذه الخطابات الشعبوية تعيد إنتاج المرأة على الصورة ذاتها التي كانت عليها من قبل. هذا إن لم تكن الصورة الجديدة أشد إقصاء لها وتهميشا من الأولى. [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] | |
|