kimgou64 مدير عام
عدد المساهمات : 1194 تاريخ التسجيل : 10/10/2012 العمر : 60 الموقع : https://afaqkadima.yoo7.com
| موضوع: حكاية من زمن الفلسفة الأحد 3 فبراير 2013 - 16:32 | |
| حكاية من زمن الفلسفة فؤاد الفاتحي عن موقع هسبريس :الأربعاء 30 يناير 2013 لا ريب أن كثير منّا راوده سؤال عن سبب نفور جُلّ التلاميذ من مادة الفلسفة، وهو تساؤل مشروع يتبادر للذهن كلما أُثير موضوع تدريس هذه المادة، وأصبح الحديث عن الفلسفة في الثقافة الشعبية من باب التندر والسخرية، حيث ينعت كل متحدث بكلام غير مفهوم أو غريب بالمتفلسف، وجوابا عن التساؤل، سأحكي لكم قصتي مع مادة الفلسفة.
لكن قبل ذلك، وتعميما للفائدة أقدم بين يدي القراء الكرام تعريفا مقتضبا لمفهوم الفلسفة كما أوردته الموسوعة الحرة "ويكيبيديا":
هي ( كلمة مشتقة من اللفظ اليوناني فيلوسوفيا {بالإغريقية}، بمعنى محبة الحكمة أو طلب المعرفة. وعلى الرغم من هذا المعنى الأصلي، فإنه يبقى من الصعب جدا تحديد مدلول الفلسفة بدقة. لكنها، بشكل عام، تشير إلى نشاط إنساني قديم جدا يتعلق بممارسة نظرية أو عملية عرفت بشكل أو آخر في مختلف المجتمعات والثقافات البشرية منذ أقدم العصور.
وحتى السؤال عن ماهية الفلسفة "ما الفلسفة؟" يعد سؤالاً فلسفيّاً قابلاً لنقاش طويل، وهذا يشكِّل أحد المظاهر الأساسية للفلسفة في ميلها للتساؤل والتدقيق في كل شيء والبحث عن ماهيته ومختلف مظاهره وأهم قوانينه. لكل هذا فإن المادة الأساسية للفلسفة مادة واسعة ومتشعبة ترتبط بكل أصناف العلوم وربما بكل جوانب الحياة، ومع ذلك تبقى الفلسفة متفردة عن بقية العلوم والتخصصات. توصف الفلسفة أحيانا بأنها "التفكير في التفكير"، أي التفكير في طبيعة التفكير والتأمل والتدبر، كما تعرف الفلسفة بأنها محاولة الإجابة عن الأسئلة الأساسية التي يطرحها الوجود والكون). إليكم الحكاية:
أثناء دراستي الإعدادية، كانت تصلني أخبار غير مبشرة عن بعض أساتذة مادة الفلسفة، الذين استغلوا وظيفتهم التعليمية - التي تفرض عليهم التجرد والاستقلالية- إلى وسيلة لنشر عقيدة إلحادية لا تعترف بالأديان، وتنكر وجود خالق ومدبر لهذا الكون.
كانت تلك الأخبار كافية لأكوّن صورة سلبية عن مادة الفلسفة ومدرسيها، حيث اعتقدت كغيري من التلاميذ الذين لا يعرفون شيئا عن تلك المادة، أنها مادة ضد الدين، ولم تكتمل لدي الصورة إلا بعد أن التحقت بالمستوى الثانوي، فكان أول عهد لي بهذه المادة مع أستاذ غريب، يحمل صفات التزمت والانغلاق، حيث لم يكن يقبل أن يناقشه أحد، ويريد دائما فرض رأيه على الجميع.. لم يكن يبتسم حتى، دائما مقطب الوجه، شاخص العينين...
كانت طريقة تدريسه للمادة، والمفاهيم والمصطلحات التي كان يستعملها، تجعلني أعتقد بأنه ملحد، وخاصة عندما كان يريد التحدث في مجال الفكر الإسلامي، ويأتي على ذكر الله سبحانه، فلا يذكره باسم الجلالة بل يسميه "المُطْلَق"، ويحاول دائما التشكيك في بعض المسلمات الدينية، ويتحدث عن الدين بطريقة فيها تحامل وبغض، وهو ما كان يثير حفيظتي، ويدفعني إلى معارضته، فتأكدت لي بالمملوس الأخبار التي كانت تصلني عن مادة الفلسفة.
في تلك الفترة، كنت حديث عهد بالالتزام، وكان أستاذ الفلسفة عندما يبدأ في الشرح أصغي إليه بإمعان أحاول فهم ما يقول.. لكن شخصيته المتعجرفة وطريقته البدائية في عرض المادة وشرحها، كانت تحول بيني وبين الفهم، خاصة وأنه كان حريصا على دمغ المادة بقناعاته الإيديولوجية.
لا زلت أذكر واقعة حصلت أثناء شرح الأستاذ للدرس، وأراد أن يستدل بآية من القرآن الكريم، فأخطأ فيها، فتدخلت لأصحح له الآية، لكن الأستاذ "المستبد" وقع في حرج شديد، ولم يقبل أن يقوم تلميذ من تلامذته بكشف خطئه، فحاول قمعي حتى أتوقف عن مناقشته، لكن لسوء حظه أني كنت أحمل معي مصحفا، فأطلعته على الآية في السورة القرآنية، فما كان منه إلا أن أطبق ساكتا، وحُمْرة الخجل تعلو وجهه.
صراحة كان هذا الأستاذ سببا في كرهي لمادة الفلسفة، وكنت أدعو الله أن يمرّ العام بسرعة حتى أرتاح من كابوس هذا الأستاذ، وما كاد ينقضي الموسم الدراسي، حتى أصبحت فعلا أحمل كرها شديدا لهذه المادة، لأنني أصبحت أتمثَّلها كما لو كانت هي والأستاذ شيء واحد.. علمت حينذاك لماذا أغلب التلاميذ لا يحبون مادة الفلسفة..
لكن ألطاف الله تدخلت، وفي السنة الموالية، أبدلني سبحانه خيرا من الأستاذ الفظ الغليظ القلب، حينما قَََََدَّرَ لي أن أدرس عند أستاذ، يحمل مواصفات شخصية مناقضة تماما لسابقه..
كان أستاذا منفتحا يحترم رأي التلاميذ ولا يستغل وظيفته لتمرير قناعاته الفكرية والعقائدية، ولا تراه إلا مبتسما، خَلُوقا ومتفانيا في عمله.. استطاع بأسلوبه السلس أن يقدم للجميع صورة إيجابية عن المادة التي يدرسها، الأمر الذي شجعني على التفاعل والتجاوب معه، فأصبحت أشارك بنشاط في النقاش الذي كان يفتحه أثناء الحصة، دون أن يحصل بيني وبينه أي تصادم، وقد كان صاحب الفضل - بعد الله سبحانه- في تغيير الصورة السلبية التي علقت بذهني حول الفلسفة ومدرسيها.. بل إنه حفزني على النهل البحث أكثر في الفلسفة، ومن نتائج ذلك أنني تحولت من كارهٍ للمادة إلى مُحبٍ لها، حيث تمكنت من الحصول على أفضل معدل في المادة تلك السنة، ولا زلت أكنّ التقدير والامتنان لهذا الأستاذ الفاضل، الذي استطاع بأسلوبه الراقي أن يغيّر نظرتي ونظرة كثير من التلاميذ لهذه المادة المثيرة للجدل.
حكايتي هذه واحدة من بين حكايات عديدة، عاشها تلاميذ وطلبة، وهي تلخص واقع بئيس اكتووا بناره في صمت، بسبب عدم أمانة بعض الأساتذة الذين استغلوا مهنة التدريس لنشر وتعميم الفكر الإلحادي المعادي للأديان، مستغلين غياب التأطير والتربية الإسلامية، وارتفاع نسبة الأمية الدينية في أوساط الشباب، وكان من نتائج ذلك زعزعة عقيدة كثير من التلاميذ والطلبة، وارتدادهم عن الدين، وتحوّل بعضهم إلى دعاة إلى الإلحاد، في المدارس والجامعات، مختبئين وراء شعارات خادعة من قبيل "حرية المعتقد"...
هذا الواقع الذي لا زال لم يرتفع، يسائل الدولة التي هي مسؤولة عن حماية عقيدة أبناء المسلمين في جميع المؤسسات العامة والخاصة، والمسؤولية الأكبر تقع على عاتق وزارة التربية الوطنية، التي يجب عليها أن تراقب مدى التزام الأساتذة عموما، ومدرسو مادة الفلسفة خاصة، بالتجرد والأمانة العلمية أثناء مزاولتهم لوظيفتهم، حماية للتلاميذ والطلبة من اختراق الفكر الإلحادي، الذي هو أشد خطرا من التنصير(التبشير)، لأنه يجعل الناس تكفر بجميع الأديان، وإن كان يشترك معه في استغلاله للفقر أو صغر السن أو الأمية لنشر معتقداته" الجاهلية" التي تجاوزها الزمان، بعد أن أثبت العلم بطلانها وكشفت الفلسفة زيفها... | |
|