اتصالات المغرب تستمر في سياسة "مصاريف جديدة تناديكم"

في ظل تنامي بوادر أزمة اقتصادية مرتقبة بالمغرب، أصبحت عدد من المؤسسات العمومية والشبه عمومية المنتجة، تنهج سياسات تقشفية وتبحث بشتى الوسائل عن مداخيل مالية إضافية حتى وإن كان ذلك على حساب جيوب

المواطنين البسطاء والمحدودي الدخل. وكنموذج على ذلك، فقد عمدت اتصالات المغرب إلى فرض، ابتداء من فاتح أبريل من السنة الجارية، مبلغ مائة وعشرون درهما على كل تجديد للالتزام بالاشتراك في خدمة الهاتف النقال، وذلك مقابل ما اسمته ب"مصاريف تفعيل الخدمة" "Mise en Service".

وقد شكل تطبيق هذا الإجراء، الغير مسبوق، إحساسا بالاستخفاف ونوعا من الاستهزاء والاستبداد لدى عدد من زبناء الشركة، ذلك أنه وبحسب شكاية أحدهم في نفس الموضوع، فإن حجة "مصاريف تفعيل الخدمة" تعتبر حجة واهية ولا مبرر لها، بحيث أن هذه المصاريف تؤدى فقط لأجل تشغيل خط الاتصال في أول اشتراك، وأنه، وعلى الرغم من انتهاء مدة عقد الاشتراك المحددة في سنتين، فإن الخدمات المتعاقد عليها تظل مستمرة ما دام أن الزبون يسدد ما عليه عند انقضاء كل شهر، في حين، فإن تجديد فترة الالتزام لا يلجأ إليها المشترك إلا لأجل الاستفادة من هاتف نقال جديد.

ويذكر أن عددا من الزبناء تفاجئ باحتواء فاتورة الشهر الموالي لتاريخ تجديدهم للالتزام بالاشتراك للمبلغ المذكور أعلاه، دون أن يكون لهم أدنى علم بذلك، لا من خلال الوكلاء المباشرين أو عبر الوسائل التواصلية التي تستعملها اتصالات المغرب كالمعتاد، كالمنشورات أو الرسائل الهاتفية القصيرة، والتي غالبا ما تخصص إلا لتمرير تفاهات وسخافات من قبيل المشاركة في القرعات وتحميل الأغاني أو ما شابه ذلك من الترهات التي لا تقوم إلا بإزعاج الزبناء، والتي أضحت متجاوزة في مجتمعنا.

وفي نفس السياق، يبدو لنا واضحا من خلال تتبعنا لإستراتيجية التسويق التي تنهجها اتصالات المغرب، والتي تبقى في مجملها تُبرمج على المدى القريب نظرا للظرفية الاقتصادية الحالية والتغيرات السريعة التي يعرفها سوق الاتصالات بالمغرب والمنافسة الشرسة في هذا المجال، أن الشركة فشلت إلى حدا ما في فرض تموقعها كمؤسسة رائدة في الاتصالات ولم تستطع الصمود أمام الطفرة والتنوع اللذان يعرفهما مجال الاتصالات وطنيا ودوليا، وذلك من خلال فشل محاولتها الأخيرة في تسويق منتوجها بثمن أكثر سعرا من منافسيها. فقد أقدمت الشركة ابتداء من شهر فبراير من السنة الحالية على إلغاء عرض الاشتراك بصفر درهم نهائيا، وحددت الثمن الأدنى لذلك في 490 درهم مقابل هواتف متوسطة الأداء والجودة نوعا ما، لتتراجع عن ذلك، خلال شهر أبريل المنصرم، وتعيد عرض "الصفر درهم"، لكن بفرض، هذه المرة، مبلغ المائة وعشرون درهما على زبنائها الأوفياء.

وللإشارة، فإنه، وبالرغم من عرض "الصفر درهم" الذي يبدو مغريا نوعا ما، فإن اتصالات المغرب تبقى هي الرابح الأكبر في عملية البيع والشراء، ذلك أن جودة الهاتف النقال المعروض بصفر درهم تبقى جد متدنية ولا ترقى إلا ما يطمح إليه الزبون، بحيث أنها تختلف من عرض لآخر، يعني أنه كلما انخفض ثمن العرض إلا ودنت جودة الهاتف المعروض، فمن المفترض جدا، في هذا الباب، أن تتعاقد اتصالات المغرب مع الشركة المنتجة للهواتف المحمولة من أجل تحديد درجة التكلفة والجودة وذلك لأجل ضمان ربح معين عند كل عرض.

والجدير بالإشارة كذلك، أن اتصالات المغرب أصبحت تفتقد بالكلية إلى صيغة الوفاء لزبنائها بالرغم من وفائهم لها، ذلك أن خدمة "فديليو" تبقى بدون قيمة وغير مجدية خاصة بالنسبة للمشتركين دوي السقف المحدود من المكالمات الشهرية، فنقط "فديليو" الممنوحة شهريا لا تتغير، حتى ولو قام المشترك بتعبئات إضافية، وبالتالي فلن يخول الرصيد الإجمالي للنقط الممنوحة عند تجديد الالتزام لاقتناء هاتف محمول محترم، بل على العكس من ذلك فالمشترك الوفي يتساوى، حينها، في الحظوظ مع أي مشترك جديد، فأين هي إذن هدية الوفاء ؟ّ

ومما يذكر أن شركة اتصالات المغرب تعرف في الآونة الأخيرة مشاكل متعددة، تتجلى أهمها في مستوى جودة الخدمات المتدنية مقارنة مع منافسيها، خاصة فيما يتعلق بأسلوب وطريقة الاستقبالات والتواصل مع الزبناء، إذ أن عدد من موظفيها لا يتمتعون بالخبرة الكافية والمناسبة في ميدان التواصل ويفتقدون إلى حسن الإنصات والإجابة. وفي هذا الصدد، فإن اتصالات المغرب تعرف خصاصا مهولا في مواردها البشرية، فالملاحظ أن موظفي الاستقبالات يقومون بالعديد من المهام مما يؤثر سلبا على جودة التواصل والأداء. كما أن الشركة تفتقد إلى تدبير حقيقي بالجودة، كما تزعم، وما العبارة التي يرددها المجيب الآلي عند الاتصال بمصلحة الزبناء، التي قلصت بدورها من أوقات عملها، "في إطار مراقبتنا للجودة ... هذه المكالمة قابلة للتسجيل ..." إلا بهتان وافتراء أكثر ما هو تحذير ووعيد للزبناء بالانضباط عند الاتصال، ذلك أنهم يعلمون جيدا أن أغلب المتصلين سيكونون حثما غاضبون ومستاءون من سوء الخدمات المقدمة إليهم.

ويذكر أن هنالك انتقادات لاذعة وعديدة توجه لاتصالات المغرب في شأن عدد من المشاكل التي يواجهها الزبناء من قبيل السعر الحقيقي الذي يتم احتسابه للمكالمات، المدة الحقيقية التي تستخلص عند كل اتصال والصبيب الحقيقي للانترنت ... لكن، وبالرغم من ذلك كله، فإننا نتساءل بدورنا عن مدى التناقض الحاصل بهذه المؤسسة الشبه عمومية، وذلك بين ما تصرفه من أموال ضخمة في الدعايات والإشهار ورعاية ومساندة العديد من البرامج والأنشطة المختلفة، وإستراتيجيتها التوسعية، خاصة ببلدان جنوب الساحل، وبين تبنيها لسياسة تقشفية والحديث عن فرضية الإفلاس التي تلاحقها، بعد ما كانت تحقق أرباحا جد هامة في الماضي القريب، فهل يتعلق الأمر أساسا بسوء التدبير والتسيير ؟ أم هنالك تخطيط وإستراتيجية متبعة من أجل إقناع المغاربة بضرورة خوصصة الشركة بالكامل ؟